بيان بطلان حديث هلكة أو هلاك أمتي على يد أو يدي غلمة أو غلمان أو أغيلمة من قريش أو أغيلمة سفهاء من قريش
* جاء في الحديث "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش" فقال مروان (لعنة الله عليهم غلمة) فقال أبو هريرة (لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت) قال عمرو بن يحيى (فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم قلنا أنت أعلم).
* أولاً: لا يهلك أمة الإسلام شيء أبداً إن شاء الله فهي مستمرة بعزة وقوة وانتشار مستمر إن شاء الله إلى يوم القيامة. أما إذا كان معنى الهلاك هنا انتشار فساد في كثير من أفراد الأمة فهذا محتمل ويبدو أنه قد حصل منذ وقت بعض سفهاء أغيلمة بني أمية وبني العباس والله أعلم.
* ثانياً: هذا الحديث باطل ومعلول بعلل قادحة متناً وسنداً منها أنه حديث غريب إذ مدار كل أسانيده على راو واحد فقط.
إفتح السطر التالي في لسان جديد لتقرأ:
تعريف الحديث (الغريب) في مصطلح الحديث وتحذير أئمة السلف الشديد منه
نعم، مدار كل أسانيد هذا الحديث على راو واحد فقط هو أبو هريرة رضي الله عنه إذ لم يروه غيره من الصحابة (هذا لو ثبت أنه رواه أصلا) لذلك فإنه حديث معلول بالغرابة نظراً لانفراد راو واحد بروايته وقد حذر أئمة الحديث من الغرائب التي لا تروى إلا من طريق راو واحد فقط حتى ولو كان صحابياً (مع أن الصحابة كلهم عدول) لأن الصحابي بشر غير معصوم عن الخطأ، يمكن أن يخطئ في الحفظ والضبط لذا فلا يحتج بما ينفرد بروايته صحابي واحد فقط حتى ولو كان أبا هريرة رضي الله عنه.
مع أن هذا الحديث لا يثبت أن أبا هريرة رواه أو نطق به أصلا لأن كل أسانيد هذا الحديث إليه لا تصح كما سأبين في الفقرات القليلة التالية إن شاء الله.
* الحديث رواه البيهقي في الدلائل وأحمد والبخاري في المتابعات والشواهد بإسنادين أحدهما برقم 3410 والآخر برقم 6649 وكلا الإسنادين من طريق عمْرُو بن يحيى بن سعيد عن جده وكلا الراويين لم يوثقهما أحد من أئمة الحديث المعتبر توثيقهم.
فعمرو بن يحيى هذا قد أدرجه الإمام العبقري الجهبذ، ابن عدي الجرجاني، مع الضعفاء في كتابه الكامل في الضعفاء ج5 ص122 ثم تكلم عن انفراده برواية بعض المرويات التي لم يروها أحد غيره رغم قلة روايته للحديث! فقال "ولا أعلم يرويه غيره وليس له من الحديث إلا القليل!".
أما جده سعيد الأموي التابعي وهو سعيد بن عمرو أو ابن العاص، ابن الصحابي سعيد بن العاص، فهو تابعي مجهول الحال أي مجهول الضبط والحفظ.
* كما رواه البيهقي في الدلائل والمحاسبي في المكاسب من طريق أبي التياح وهو مجهول.
* ورواه نعيم بن حماد في الفتن وكذلك الداني في الفتن والبخاري في التاريخ الكبير معلقاً وابن راهويه والطيالسي وأحمد والحاكم، كلهم رووه من طريق سماك بن حرب.
وسماك بن حرب هذا لم يوثق وإنما اختلف فيه فقيل صدوق بينما ضعّفه أئمة في الحديث كشعبة وابن المبارك وابن خراش. والجرح مقدم على التعديل كما هو معروف في علم الحديث.
قال الذهبي في كتاب (ذكر من تكلم فيه ج1 ص95):
149 سماك بن حرب ... كان شعبة يضعفه وقال ابن المبارك ضعيف الحديث وقال ابن خراش في حديثه لين.
• ورواه ابن حبان والطبراني في الصغير من طريق الأعمش عن أبي صالح.
وهذا الإسناد ضعيف جداً أيضاً لأن الأعمش مدلس مشهور جداً بالتدليس فلا تقبل عنعنته.
* ورواه الداني في الفتن من طريق انفرد به لوحده ورواته لم يوثق عدد منهم. بل وأحد الرواة قارئ متقن للقراءة لكنه مختلف فيه. وقد ضعف روايته بعض علماء السلف. والجرح مقدم على التعديل. فهو ضعيف الرواية لأن له أوهاماً كما جاء في تهذيب التهذيب. وهو عاصم بن بهدلة وقد تكلم عن سوء حفظه للروايات، ابنُ علية وعبد الرحمن بن مهدي أيضاً رحمهما الله.
* ورواه ابن عدي الجرجاني في الكامل برقم 395 من طريق الحكم بن ظهير مبينا ضعفه الشديد بل وأنه منكر الحديث ساقط متروك كذاب.
* أود أن أذكر مرة أخرى بأن مدار كل أسانيد هذا الحديث الضعيفة هذه على راو واحد فقط هو أبو هريرة رضي الله عنه إذ لم يروه غيره من الصحابة (هذا لو ثبت عنه أصلا) لذلك فإنه حديث معلول أيضاً بالغرابة نظراً لانفراد راو واحد بروايته وقد حذر أئمة الحديث من الغرائب التي لا تروى إلا من طريق راو واحد فقط حتى ولو كان صحابياً (مع أن الصحابة كلهم عدول) لأن الصحابي بشر يمكن أن يخطئ في الحفظ والضبط لذا فلا يحتج بما ينفرد بروايته صحابي واحد فقط حتى ولو كان أبا هريرة رضي الله عنه. مع أن هذا الحديث لا يثبت أصلاً أن أبا هريرة رواه أو نطق به.
* ثم لو افترضنا جدلاً مجرد افتراض أن هذا الحديث مقبول (وهذا مستحيل لأن أمة محمد لا تهلك) فهو فيما يظهر يتكلم عن فساد ينتشر بسبب بعض حكام بني أمية وبني العباس كما يظهر من رواية البخاري التالي نصها:
"هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش" فقال مروان (لعنة الله عليهم غلمة) فقال أبو هريرة (لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت) قال عمرو بن يحيى (فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم قلنا أنت أعلم).
قلت: لو افترضنا أن الرواية صحت فكلمة (عسى) هنا ليست للتمني وإنما هي للخوف أن يكونوا منهم. وهي تماثل في وقتنا الحاضر عبارة [عساهم ليسوا المقصودين].
مفاجأة
فيما يلي مفاجأة جميلة لم أعلم بها إلا بعد أن أتممت دراستي لهذا الحديث وبحثي هذا:
المفاجأة الجميلة هي أن أحمد بن حنبل رحمه الله قد أمر بشطب هذا الحديث حسبما ورد عنه في المصدر التالي:
قال ابن الجوزي رحمه الله:
1941 / 2392 - وفي الحديث الخامس والعشرين بعد المائتين "هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش". الأغيلمة جمع غلام. وقد بينا معنى الغلام في مسند ابن عباس. وقوله: "لو أن الناس اعتزلوهم" قد أمر أحمد بن حنبل بترك هذا الحديث، فقال الخلال: قال عبد الله: قال أبي في مرضه: اضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث. [أي قم بشطبه]. ... قلت: فهذا دليل على أن حديث أبي هريرة لم يثبت عند أحمد وإن كان قد أخرج في (الصحيحين [أو أحدهما]) فيحمل على أنه وهم من الرواة). إنتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله.
المصدر: (كشف المشكل من حديث الصحيحين جزء 3 صفحة 471، اسم المؤلف: أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي ، دار النشر : دار الوطن - الرياض - 1418هـ - 1997م. ، تحقيق : علي حسين البواب).
* ' ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون ' . ' ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ' . ' وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير ' .
فتفاءلوا بالحاضر والمستقبل خيراً يا أمة الإسلام ولا تتشاءموا مهما كانت الأحداث أبدا.
خرّج الحديث ودرسه وكتب هذا البحث وهذه الدراسة المحدّث أحمد آل الشيخ أغدق الله عليه من خيرات الدارين وكفاه كل شر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق