هنا الرد العلمي والشرعي واللغوي الدقيق على كل شبهات ملحد توهم أن في القرآن تناقضاً لأنه لم يتدبر القرآن جيداً:
مقدمة
مشكلته أنه يتوهم وجود تناقضات لا وجود لها بسبب ضعفه الشديد في اللغة العربية الفصحى والتفسير والمنطق. وبالمناسبة، وقبل التعمق في الرد أقول: إعترف أحد علماء نظرية التطور وهو السير آرثر كيث قائلا "إن نظرية النشوء والارتقاء (نظرية التطور) غير ثابتة علميًا، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان". المصدر: الموسوعة العربية العالمية. مجلد حرف النون تحت عنوان (النشوء والارتقاء). ومعروف أن هذه الموسوعة تعتبر في الجامعات مصدراً علمياً موثوقاً في الأمور العلمية الطبيعية. أعود لموضوع شبهات ذلك الملحد حول الآيات فأقول:
أولاً:
بخصوص الآيتين:
(4:78)اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا
(4:79)ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلنك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا
1. المخاطب في الآيتين مختلف.
2. الآية الأولى تتكلم عن الإيجاد والإيقاع والثانية عن السببية. أي أن الآية الأولى تتكلم عن إيجاد وخلق المصيبة وخلق وقوعها أيضاً بينما الآية الثانية تتكلم عن السببية وأقصد بذلك سبب وقوع المصيبة.
كيف ذلك؟ الآية الأولى تخاطب المجتمع وتقول له بأن من يخلق المصيبة ويوقعها عليكم هو الله وليس محمداً (صلى الله عليه وسلم) كما أنه ليس سبباً فيها فلا تلوموه ولوموا أنفسكم. والآية الثانية تخاطب محمدا (صلى الله عليه وسلم) أو كل فرد على حدة وتقول له بأن المصيبة التي تقع عليك أيضاً أيها الفرد يخلقها الله ويوقعها عليك ولكنها بسبب تصرفاتك أنت فهي من نفسك من ناحية السببية. فخلقها وإيقاعها من الله وسببها منك. ولكن لا يوقع الله مصيبة على الآخرين بسببك أنت فلماذا يلومونك؟!. فلا يعاقب الله غيرك بسبب تصرفاتك أنت أيها الفرد فلا تزر وازرة وزر أخرى. ولكن إذا وقع المجتمع كله في تصرف سيئ فإنه يكون قد تسبب في وقوع المصيبة على المجتمع المسيء كله بخلق وتقدير من الله وبسبب منكم أيها المجتمع المسيء أو المخطئ. "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعف عن كثير". فالمصيبة من الله باعتبار الخلق والتقدير وهي من أنفسكم باعتبار السببية. أي أنكم تسببتم بها. وصدق الله حيث قال في ختام الآية الأولى "فما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا"؟!. "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها". ولكن لأن المصيبة يمكن أن تقع أحياناً على أناس (أتقياء) بسبب تقصير غير مقصود أو أخطاء غير مقصودة فقط وليس بسبب معاص متعمدة فإن المصيبة حينها تكون ابتلاء وتذكيراً وخيراً لمن أصابتهم إذا صبروا واسترجعوا قائلين (إنا لله وإلنا إليه راجعون) ودليل ذلك قول الله جل وعلا "(2:155) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأمول والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (2:156) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رجعون (2:157) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
ثانياً:
بخصوص الآيات التالية:
(3:38)هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء
(3:39)فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين
(3:40)قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء
بكل بساطة، لا تناقض بين أن يدعو الإنسان ربه بشيء ويعلم أن ربه سميع الدعاء وبين أن يبدي انبهاره بعد ذلك بإجابة دعائه ويسأل عن الكيفية والآلية التي سيحدث بها ذلك الأمر وهل عليه مثلا أن يتزوج بامرأة أخرى غير امرأته العجوز العاقر؟! فأتاه الجواب بالنفي مخبراً إياه بأن ذلك سيحدث بكرامة من الكرامات الإلهية له أو لهما "كذلك الله يفعل ما يشاء" فلا حاجة له بزوجة جديدة. ويحتمل أن الزواج بأكثر من واحدة في الشريعة أثناء زمن النبي زكريا كان محرماً ويحتمل أيضاً أن تطليق الزوجة لمجرد كبرها أو عقمها للزواج بأخرى أو تطليقها بدون اضطرار عموما كان محرماً حينها فاستفسر زكريا ليرى هل أبيح له ما كان ممنوعا فيتزوج أم لا حاجة له بذلك فأتاه الجواب. والله أعلم.
ثالثاً:
بخصوص الآيات المتعلقة بالسماوات والأرض وترتيب الخلق والتقدير:
لا بد في البداية أن نتذكر أن كل كلمة في أي لغة لها غالباً أكثر من معنى. ويختلف معناها حسب السياق ويعرف معناها كل مرة من السياق. وهكذا الحال مع كلمتي السماء والأرض. فكلمة السماء في اللغة العربية تطلق أحياناً على الكون مثل (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون) وأحياناً تطلق على الأجرام السماوية التي تدور وتسبح في الكون مثل كلامه عن يوم القيامة حيث قال (ومن ءاياته أن تقوم (أي تتوقف) السماء (الأجرام السماوية) والأرض (عن الحركة) بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) أي تبعثون من القبور. فتتوقف الأجرام السماوية المتحركة وتتوقف الأرض كذلك عن الحركة يوم القيامة. وهذا يعني أنها كانت تتحرك قبل يوم القيامة. (وفي هذا إعجاز علمي أن الأرض تتحرك). وأحياناً يكون معنى السماء هو الغلاف الجوي فقط كما سيتبين من بعض السياقات التالية إن شاء الله. وكذلك كلمة الأرض إذ أن معناها أحياناً يكون الكرة الأرضية بأكملها وأحياناً يكون معناها اليابسة في القارات السبع ونحوها كما سيتبين معنا فيما يلي إن شاء الله:
(2:29)هو الذي خلق لكم ما في الأرض (الكرة الأرضية) جميعا ثم استوى إلى السماء (الكون) فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم
.
(41:9)قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض (الكرة الأرضية) في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين
(41:10)وجعل فيها (في داخلها) رواسي (أي معادن تسبب رسو قشرتها التي تكونت لاحقا بعدما كان ظاهر الأرض حمما بركانية لزجة تموج وتضطرب فلما أنزل الله أو جعل الله في داخل الأرض معادن ثقيلة برد سطحها وصار له قشرة يغطيها الماء كلها قبل أن تسطح الأرض أي يكون لها سطح يستطيع الناس لاحقا حين يخلقون الإستقرار عليه بلا مشقة كبيرة وذلك حين ظهر بركان أو أكثر كون جزيرة كانت بداية الأرض اليابسة التي مدها الله فكونت القارات السبع) (وقد أنزل هذه المعادن) من فوقها (أي من خارجها كما أنزل الحديد) وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (لاحظوا هنا أنه قال (وقدر) ولم يقل (وخلق فيها أقواتها) (خلق الله الأرض في يومين وقدر الأقوات (مجرد تقدير) خلال هذين اليومين ويومين آخرين أيضا فصار مجموع زمن التقدير 4 أيام منها يومان في البداية جرى فيهما خلق الأرض)
(41:11)ثم استوى إلى السماء (الكون) وهي دخان فقال لها وللأرض (الكرة الأرضية) ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
(41:12)فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا (الغلاف الجوي) بمصابيح (أي بشهب) وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
.
(79:27)ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها (واضح من السياق هنا وخاصة من الآيات التالية أن المقصود بالسماء هنا هو الغلاف الجوي)
(79:28)رفع سمكها فسواها
(79:29)وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (لأن الليل والنهار إنما يكون في الغلاف الجوي)
(79:30)والأرض (اليابسة التي كونت لاحقا القارات السبع) بعد ذلك دحاها (أي مدها حتى كونت القارات السبع التي كانت أرضا واحدة قبل أن يجعلها الله سبع أراضين أي سبع قارات) ((فقد كانت بداية اليابسة ظهور جزيرة أو أكثر فوق الماء الذي كان يغطي الكرة الأرضية مع كل جهة فدحاها أي مدها الله حتى صارت سبع قارات))
(79:31)اخرج منها (أي من اليابسة أو القارات) ماءها ومرعاها
(79:32)والجبال أرساها (لاحظوا هنا بأنه لم يقل بأن الجبال هي الرواسي لأن الرواسي غير الراسيات التي هي الجبال)
(79:33)متاعا لكم ولأنعامكم
وبهذا يتبين أن هذه الآيات العظيمة الجميلة ليس فيها أي تناقض لمن تدبر وكان على علم بما تقوله الحقائق العلمية الحديثة إذ أننا من هذه الآيات نستفيد أن ترتيب خلق الأرض والسماوات ثم دحي الأرض كان مرتباً كما يلي:
واحد: خلق الله السماوات والأرض ككتلة واحدة قبل أن يفتقهما الله بالانفجار الكبير "أولم ير الذين كفروا أن السماوت والأرض كانتا رتقا ففتقنهما".
إثنين: خلق الله ما في الكرة الأرضية جميعا لنا في يومين ثم جعل في داخلها رواسي أي معادن أرسلت من فوقها كالحديد وغيره وخلال هذين اليومين ويومين آخرين (قدر فيها أقواتها) تقديرا قبل أن تخلق الأقوات.
ثالثا: إستوى إلى السماء وهي ما زالت دخان وقال لها وللأرض إتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وقضى في كل سماء أمرها وزين السماء الدنيا (الغلاف الجوي المحيط بالأرض) بمصابيح (أي بشهب)
رابعاً: أحكم الله بناء السماء الدنيا (الغلاف الجوي) ورفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها.
خامساً: دحى الله (أي مد الله) الأرض اليابسة (وبسطها) حتى كونت القارات السبع. وأخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها.
فأين التناقض في الترتيب؟ لا يوجد أي تناقض أبداً.
باختصار. أ. خلق السماوات الأرض رتقا أي كتلة واحدة ثم فتقهما بالانفجار الكبير (بج بانج). ب. خلق لنا ما في الأرض جميعا و(قدر) أقواتها. فجميع ما خلقه في الأرض آنذاك خلقه لنا. ت. قضى السماء سبع سماوات. ث. أحكم الله بناء السماء الدنيا تحديدا أي الغلاف الجوي وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. ج. دحى أي مد الله أرض اليابسة حتى كونت القارات السبع.
واضح؟
فائدة: قال ربنا "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن (أي خلق من الأرض سبعاً أي سبع قارات) يتنزل الأمر بينهن (أي يتنزل الوحي في مكة الواقعة بين القارات السبع) لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما".
فائدة أخرى حول تأثير السياق على معنى السماء مرتين في آية واحدة: "الله الذي خلق السماوات (الكون) والأرض (الكرة الأرضية) وأنزل من السماء (الغلاف الجوي) ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار". فالسماوات هنا تعني الكون بينما السماء هنا تعني الغلاف الجوي.
فائدة ثالثة:
جاء في معجم المحكم والمحيط الأعظم 3-429 (دحيت الشيء أدحاه دحيا بسطته لغة في دحوته حكاها اللحياني وفي الحديث داحي المدحيات يعني الأرضين) إهـ. أي ماد الممدودات وباسط المبسوطات أي الأراضي اليابسة السبع أي القارات السبع.
وجاء في مختار الصحاح 1-84 (د ح ي دحا الشيء بسطه وبابه عدا ومنه قوله تعالى "والأرض بعد ذلك دحاها".). إهـ. أي اليابسة بعد ذلك بسطها.
فائدة رابعة:
(88:19)وإلى الجبال كيف نصبت
(88:20)وإلى الأرض كيف سطحت
أي وإلى اليابسة المبسوطة كيف جعلت سطحا يستطيع الناس الإستقرار فوقه من غير مشقة كبيرة.
فائدة خامسة:
لعل البعض قد قال: وما الدليل أن معنى (تقوم) في آية (تقوم السماء والأرض) هو تقف أو تتوقف عن الحركة؟ والجواب هو: قال الله في الصفحة الثالثة من البقرة "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم (قاموا)" أي توقفوا عن المشي والحركة.
جاء في لسان العرب جزء 12 صفحة 497 (ويجيىء القيام بمعنى الوقوف والثبات . يقال للماشي : قف لي أي تحبس مكانك حتى آتيك ، وكذلك قم لي بمعنى قف لي ، وعليه فسروا قوله سبحانه "وإذا أظلم عليهم قاموا" قال أهل اللغة والتفسير : قاموا هنا بمعنى وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين). إهـ.
فائدة سادسة: فيما يلي فديو وثائقي بالإنجليزي من قناة ديسكفري يتكلم عن حال الأرض قبل ملايين السنين بطريقة تتوافق مع الآيات السابقة وتفسيرها الذي قلته وكيف كانت الأرض حمما بركانية تميد وتموج ثم نزول الرواسي من المعادن عليها كالحديد حتى بردت قشرتها واستقرت وعلاها الماء قبل أن تظهر اليابسة وتدحى أي تبسط وتمد وتكون القارات السبع: http://youtu.be/ra27VYIEk9Q?t=57s
إضافة بتاريخ 15-2-2015: حديث سجود الشمس تحت العرش محتلف في صحته والراجح ضعفه. وليس في القرآن أو السنة الثابتة شيء يقول بأن الكرة الأرضية هي مركز الكون أو أنها ثابتة أو أن الشمس تدور حول الكرة الأرضية. أما دوران الشمس في (فلك) فهذا يقره العلم الحديث أيضاً. ولكن فلكها يدور حول محور مجرة درب التبانة وليس حول الكرة الأرضية. أما قول إبراهيم "فإن الله يأتي بالشمس من المشرق" فقد نسبه الله لإبراهيم ولم يقل بأنه أوحى لإبراهيم به كما أنه لا يعني أن الشمس تدور حول الأرض لأن كلمة (يأتي بها) غير كلمة (يحضرها) والفرق أن كلمة يأتي بها يدخل فيها المجاز اللغوي مثل قول أحدهم (ما هذا الكلام الذي أتيت به) وهو يقصد (ما هذا الكلام الجديد الذي قلته) وبهذا فإن كلمة (يأتي) تأتي بمعنى (يجعلنا نراها في بداية الصبح من جهة المشرق فاجعلنا نراها في بداية الصبح من جهة المغرب) ولو قال له إبراهيم إعكس دوران الأرض لما فهم الناس في ذلك الوقت كلامه ولسخروا منه ولاتهموه بالجنون.