الرد الناصع بالدليل القاطع على من زعم وجود تعزير على من عرّض بالقذف


لقد لاحظت أن بعض الجهلة يزعمون أن هناك معاقبة أو تعزيراً في الدنيا للمعرض بالقذف. رغم أنه ليس لذلك دليل مسند إلا أثراً يزعم أن عمر بن الخطاب رضي الله استشار في شخص عرض بالقذف وأن بعض من حوله أشار عليه بجلده 80 جلدة. وليس في الأثر أصلاً أن عمر أخذ بمشورتهم أو أنه جلده أو حتى عزره أو عاقبه بأي شيء. كما أن الأثر كله لم يثبت أصلاً.

 ونص الأثر وإسناده كما يلي من موطأ مالك:

أخبرنا مالك أخبرنا أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن : أن رجلين في زمان عمر استبا فقال أحدهما : ما أبي بزان ولا أمي بزانية فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب فقال قائل : مدح أباه وأمه وقال آخرون : وقد كان لأبيه وأمه مدح سوى هذا نرى أن تجلده الحد ثمانين.

ولكن يبدو أن جهل بعض الناس بعلم الأسانيد والأثر قد فضحهم لأن هذا الأثر لم يثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. بل هو أثر مفرد غريب مليئ إسناده بالعلل القادحة.

ومن علله القادحة أن إسناده غريب مفرد ليس له قرين. فمداره على مالك عن أبي الرجال محمد عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن. وقد حذر أئمة الحديث من الغرائب التي ليس لها إلا إسناد واحد.

ومن علله القادحة أنه من رواية عمرة بنت عبد الرحمن. وهي موثقة ولكنها لم تدرك زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فهي قد ولدت بين سنتي 21 و29 للهجرة. بينما مات عمر بن الخطاب سنة 23 هـ. أي أنها ولدت قبل وفاته بسنتين أو بعد وفاته ببضع سنين. وفي كلا الحالتين لا تقبل روايتها عن عمر ولا عن زمانه بشكل مباشر بدون إسناد

ومن علله القادحة أنه من رواية أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن وهو مجهول العدالة ولم أجد أحداً من أئمة الحديث المتقدمين عدله.

كما أن ابن حبان قد ضعّفه بذم حفظه قائلاً بأنه كان يهم في الأحايين. أي أنه كان يهم في كثير من الأحيان. وفيما يلي المصدر:

مشاهير الأمصار ج1 ص133
1047 أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري وانما قيل أبو الرجال لأنه كان له عشرة بنين رجال فعرف بأبي الرجال مات بالمدينة وكان يهم في الأحايين. إهـ.

المصدر: مشاهير علماء الأمصار ، اسم المؤلف:  محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي ، دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت -  - 1959 ، تحقيق : م. فلايشهمر.

وفيما يلي رد قاطع على زعم كل من زعم أن هناك تعزيراً أو عقوبة في الدنيا لمن يعرض بالقذف:

الرد القاطع هو أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد جلد أو عاقب أحداً في حادثة الإفك بأي شيء أبداً. ولم يرد أن عائشة رضي الله عنها رفعت قضية قذف على من عرضوا بها في حادثة الإفك. 

لم يعاقبهم بشيء أبدا فضلا عن أن يجلدهم بحد القذف. بل ورد أن الله قد حث أبا بكر على الاستمرار في الإحسان لمسطح بن أثاثة بعد أن قرر إيقاف إهداء الأموال إليه مع أنه قد ورد أن مسطحاً كان من ضمن المعرضين بعائشة والصحابي صفوان بن المعطل رضي الله عنهم. وقد ذكر المفسرون أن آية "ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" قد نزلت في أبي بكر حين قرر التوقف عن إهداء الأموال إلى مسطح بسبب تعريضه بقذف عائشة وأن أبا بكر غير قراره بعد نزول الآية واستمر في إهداء الأموال لمسطح رضي الله عنه. هذا كله مع أن عائشة صحابية من المؤمنات حقاً ومن المحصنات حقاً ومن أمهات المؤمنين رضي الله عنها وعنهن.