معنى صلى الله على فلان



تحية من أخيكم الباحث أحمد آل الشيخ

وردني من خلال تويتر سؤال من إحدى قريباتي الكريمات عن معنى (صلى الله عليه)

وفيما يلي الجواب:

يظهر لي والله أعلم من كلام البيهقي رحمه الله الذي نقله عن الحليمي رحمه الله أن (الصلاة على فلان) هي تعظيمه وتكريمه وبذلك يكون معنى (صلى الله على محمد) هو عظم الله محمداً وكرمه. ويكون معنى (اللهم صل عليه) أي اللهم عظمه وكرمه. ويكون معنى "إن الله وملائكته يصلون على النبي يآ أيها الذين آمنوا صلوا عليه" هو (إن الله وملائكته يعظمون النبي ويكرمونه، يآ أيها الذين آمنوا عظموه وكرموه وادعوا الله أن يزيد في تعظيم نبيه وتكريمه بقولكم [اللهم صل عليه]).

والتعظيم له والتكريم يكون بلا غلو ولا ابتداع. وقد جاء في الحديث "لا تُطْروني ، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ ، فإنما أنا عبدُه ، فقولوا : عبدُ اللهِ ورسولُه". رواه البخاري من طريقين أحدهما عن عمر بن الخطاب والثاني عن ابن عباس رضي الله عنهم. كما رواه ابن المديني في تفسيره وابن حبان وصححوه ورواه غيرهم.

وكذلك الصلاة على آل محمد هي تعظيم وتكريم الأتقياء من أمة محمد لأن آل محمد هم كل تقي من أمته سواء كان من ذريته أم لا كما بينت في رابط أسفل هذا المقال.

كما أن كل شخص من ذرية محمد ليس من آل محمد إلا إن كان تقياً. أما آل البيت فهم من كانوا يعيشون في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه وبنيه وبناته. وقد ماتوا جميعاً فلم يبق من آل البيت أحد بالطبع. أما ذريتهم فلا يقال لهم بأنهم آل البيت ولكن يقال لهم بأنهم (من) آل البيت أي من ذرية آل البيت أي أنهم من ذرية بنات النبي صلى الله عليه وسلم.

وتفاصيل معنى آل محمد وآل البيت موجودة بالأدلة الشرعية الموثقة في بحث لي موجود داخل الرابط المرفق في آخر هذا المقال.

وبناء على ذلك يكون معنى قول الله للمؤمنين "هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما" هو: (هو الذي يعظمكم ويكرمكم وملائكتهُ [أيها المؤمنون] ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) فهنيئاً للمؤمنين ذكوراً وإناثاً.

لكن من هم المؤمنون؟ ما هو تعريف المؤمنين والمؤمنات؟ قال الله "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة (((ويطيعون الله ورسوله))) أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم".

أما قول الله "وسلموا تسليماً" فالتسليم معروف وهو دعاء بالسلامة من الشرور.

وفيما يلي ما نقله البيهقي عن الحليمي حول هذا الأمر:

قال البيهقي رحمه الله في كتابه شعب الإيمان 2-219

فصل في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والمباركة والرحمة

قال الحليمي رحمه الله أما الصلاة في اللسان فهي التعظيم وقيل الصلاة المعهودة سميت (بذلك) لما فيها من حني النبي صلى الله عليه وسلم وهو وسط الظهر (في الصلاة لله) لأن انحناء الصغير للكبير إذا رآه تعظيما منه له في العادات (قبل تحريم ذلك لغير الله) ثم سموا قراءته صلاة إذا كان المراد منه عامة ما في الصلاة من قيام وقعود وغيرهما من تعظيم الرب تعالى.

 ثم توسعوا وسموا كل دعاء صلاة إذا كان الدعاء تعظيما للمدعو بالرغبة إليه والثناء .. له تعظيما للمدعو له بابتغاء ما ينبغي له من فضل الله تعالى وجميل نظره. وقيل الصلوات لله أي الأذكار التي يراد بها تعظيم المذكور (الله) والاعتراف له بجلال العبودية وعلو الرتبة كلها لله أي هو مستحقها لا يليق بأحد سواه. فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد به اللهم عظم محمدا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وابقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته [لكن] (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) وإجزال أجرك، ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين في اليوم المشهود.

وهذه الأمور وإن كان الله تعالى قد أوجبها للنبي صلى الله عليه وسلم، كان كل شيء منها ذو درجات ومراتب. فقد يجوز إذا صلى عليه واحد من أمته فاستجيب دعاؤه فيه أن يزداد النبي بذلك الدعاء في كل شيء مما سمينا رتبة ودرجة ولقد كانت الصلاة مما يقصد بها قضاء حقه ويتقرب بإكثارها إلى الله تعالى ويدل على أن قولنا اللهم صل على محمد صلاة منا عليه لأنا لا نملك إيصال ما يعظم به أمره ويعلو به قدره إليه وإنما ذلك بيد الله تعالى فصح أن صلاتنا عليه الدعاء له بذلك وابتغاؤه من الله عز وجل. إنتهى. (شعب الإيمان 2-219)

وفيما يلي رابط بحث آخر لي ذو علاقة وثيقة بهذا البحث:

اللهم صلِّ على آل محمد. من هم آل محمد؟ عن النبي أنه قال: آل محمد كل تقي



اللهم صلِّ على آل محمد. من هم آل محمد؟ عن النبي أنه قال: آل محمد كل تقي



فيما يلي بحث مهم جداً معزز بالأدلة الموثقة أجريته قديماً وأضفت اليوم له قليلا:

وخلاصته في الفقرتين التاليتين:

أولاً:

( أ ) - بعض الناس يتوهم أن آل محمد هم ذريته وهذا خطأ. آل محمد هم الأتقياء من أمته سواء كانوا من ذريته أم لا.

( ب ) - من لم يكن من المتقين فليس من آل محمد حتى وإن كان من ذريته.

ثانياً:

  آل البيت (أهل البيت) هم من كانوا يعيشون في بيوت النبي من المتقين من ذويه كأمهات المؤمنين وذريته رضي الله عنهم. أما ذرية النبيالذين لم يعيشوا في بيته وقت حياته كالمعاصرين فلا يصح شرعاً ولا لغة تسميتهم بآل البيت كما يجري الآن ولكن يصح أن يقال بأنهم من (ذرية) آل البيت لأنهم من ذرية بعض بناته صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن.

لاحظوا فيما يلي أن القرآن خاطب نساء النبي بأهل البيت فقال "(يا نساء النبي) لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجهلية الأولى وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس (أهل البيت) ويطهركم تطهيرا"

وفيما يلي التفاصيل مع الأدلة:

نقول في صلاتنا كل يوم: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد. فهل تعرفون من هم آل محمد؟

 قال الإمام العجلوني رحمه الله في كتاب كشف الخفاء ج: 1 ص: 17 ما يلي : 17 [ حديث ] ((( آل محمد كل تقي ))) .. قال في الاصل رواه الديلمي وتمام ... شواهده كثيرة منها ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم ((( إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين )))وقال الشيخ محمد الزرقاني في مختصر المقاصد الحسنة هو حسن لغيره انتهى.

وقال النجم وفي لفظ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آل محمد فقال ((( كل تقي ))) قال وروي عن علي رضي الله عنه وأنه السائل ... [ و ] له شواهد قال ورأيته في بعض كتب النحو بلفظ ( آلي كل مؤمن تقي ) ويستشهد به على إضافة الآل إلى الضمير انتهى.

وقد بين السخاوي شواهده في كتابه ارتقاء الغرف وجاء في كتاب البيان والتعريف ج: 1 ص: 7 ما يلي : 3 [ حديث ] ((( آل محمد كل تقي ))) أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير وابن لآل وتمام والعقيلي والديلمي والحاكم في تاريخه والبيهقي ...

قال شيخ مشايخنا الشيخ غرس الدين الخليلي وزاد الطبراني في روايته ثم قرأ إن أولياؤه إلا المتقون ... سببه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آل محمد فذكره وروي أن السائل علي رضي الله عنه ورواه البيهقي عن جابر بن عبد الله من قوله.

وقال الشيخ غرس الدين لإسانيده شواهد ورواه ابن عدي الجرجاني في الكامل 7/41 فقال : أخبرنا المنجنيقي ثنا محمد بن حاتم المؤدب ثنا نعيم عن نوح بن أبى مريم عن يحيى بن سعيد عن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آل محمد فقال ((( آل محمد كل تقي ))) ثم قرأ رسول الله " [ إن ] أولياؤه إلا المتقون "

وجاء في نيل الأوطار للشوكاني ج: 2 ص: 328 ما يلي: 64 لأن المراد بآله أتباعه واحتج لهذا القول بما أخرجه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل عن الآل قال ((( آل محمد كل تقي ))) وروي هذا من حديث علي ومن حديث أنس.

 ويؤيد ذلك معنى الآل لغة فإنهم كما قال في القاموس أهل الرجل وأتباعه [ قلت: [ غير العاصين، وذلك لقول الله "إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" ]

ولا ينافي هذا اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على البعض منهم في بعض الحالات كما تقدم وكما في حديث مسلم في الأضحية اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد فإنه لا شك أن القرابة [ المتقون ] أخص الآل فتخصيصهم بالذكر ربما كان لمزايا لا يشاركهم فيها غيرهم كما عرفت.

 وتسميتهم بالأمة لا ينافي تسميتهم بالآل وعطف التفسير شائع ذائع كتابا وسنة ولغة.

وجاء في بحث للشيخ عثمان الخميس أن عدداً من علماء السلف قالوا بأن آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميع أمة الاستجابة [ لله بفعل أوامره واجتناب منهياته ] وهذا يعني أن كل مسلم [ لله بفعل أوامره واجتناب منهياته ] يعتبر من آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أي من أتباعه.

فآل الرجل أتباعه، فكل من تبع رجلا صار من آله . كما قال الله تبارك وتعالى "أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" غافر 46. أي فرعون ومن تبعه على دينه وكفره والعياذ بالله،

ولذلك لما جاء أبرهة الحبشي ليهدم الكعبة قال عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبياتا من الشعر منها:

لا هُمَّ إن العبد يمنع رَحْ .. لَهُ فامنع رِحالك

لا يَغْلِبَنَّ صليبُهم ومِحا ..  لُهم غدواً مِحالك

وانصر على آل الصَّلي .. بِ وعابديه اليوم آلك

قال الباحث أحمد آل الشيخ (ويبدو من آخر كلمة أن عبد الملطلب كان يزعم (كاذباً) أن مشركي قريش حينها كانوا من آل الله جل وعلا أي من أتباع الله أي أتباع تعاليمه لذلك قال واصافاً قومه [آلك]).

ولا يتوهمن أحد بأن دعاء عبد الملطلب قد أجيب له وتقبل منه. بل لعل الله أهلك أصحاب الفيل لا من أجل بنيان الكعبة فحسب، فالبنيان يمكن أن يعاد من جديد. بل لعل الله أهلكهم لسبب أهم بكثير وهو أن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفيل فحمى الله نبيه من أصحاب الفيل وأهلكم. وأنزل الله على نبيه منذراً كفار قريش ومذكراً ومطمئناً نبيه بأن له ربا يحميه فقال "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. ألم يجعل كيدهم في تضليل. وأرسل عليهم طيراً أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل. فجعلهم كعصف مأكول").

عن النبي أنه قال "وإنما أوليائي المتقون " . (حديث رقم 4242) من سنن أبي داود وهو صحيح. وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهاراً من غير سر (( إن آل فلان ليسوا لي بأولياء ــ يعني طائفة من أقاربه ــ إنما وليي الله وصالح المؤمنين )).

وهذا موافق لقوله تعالى (( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين)) الآية قال الشيخ المفسر نصر بن محمد أبو الليث السمرقندي في تفسير السمرقندي ( 1/78 ) (قال بعض أهل اللغة آل الرجل أتباع الرجل قريبه كان أو غيره) ولا ننسى قول الله " وإذ نادى نوح ((( ابنه ))) " وقوله عن ((( ابنه ))) بأنه ليس من أهله ، مع أنه وصفه قبل قليل بأنه ابنه ويؤكد كل هذا إن شاء الله قول الله "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

وينبغي التنبه إلى أن هناك فرقاً بين آل الرجل وبين آل بيت الرجل وأن [ (( آل )) ( الأنبياء ) هم المتقون من أهليهم وأممهم ] وأن [ (( آل بيت )) ( الأنبياء ) هم المتقون من أهليهم الساكنين معهم في بيوتهم وقت حياتهم]. والله أعلم.

 أما غير المتقين فليسوا بأهل ولا آل للأنبياء. قال الله "إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" والخلاصة : أن كل تقي من أمة النبي محمد هم آل محمد سواء كانوا من ذريته أم لم يكونوا وأن غير الأتقياء من ذريته ليسوا من آل محمد.


معنى صلى الله على فلان

بيان بطلان حديث (هلاك أمتي على يد غلمان) أو (هلكة أمتي على يدي غلمة)



بيان بطلان حديث هلكة أو هلاك أمتي على يد أو يدي غلمة أو غلمان أو أغيلمة من قريش أو أغيلمة سفهاء من قريش

* جاء في الحديث "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش" فقال مروان (لعنة الله عليهم غلمة) فقال أبو هريرة (لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت) قال عمرو بن يحيى (فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم قلنا أنت أعلم).

* أولاً: لا يهلك أمة الإسلام شيء أبداً إن شاء الله فهي مستمرة بعزة وقوة وانتشار مستمر إن شاء الله إلى يوم القيامة. أما إذا كان معنى الهلاك هنا انتشار فساد في كثير من أفراد الأمة فهذا محتمل ويبدو أنه قد حصل منذ وقت بعض سفهاء أغيلمة بني أمية وبني العباس والله أعلم.

* ثانياً: هذا الحديث باطل ومعلول بعلل قادحة متناً وسنداً منها أنه حديث غريب إذ مدار كل أسانيده على راو واحد فقط.

إفتح السطر التالي في لسان جديد لتقرأ:


تعريف الحديث (الغريب) في مصطلح الحديث وتحذير أئمة السلف الشديد منه


نعم، مدار كل أسانيد هذا الحديث على راو واحد فقط هو أبو هريرة رضي الله عنه إذ لم يروه غيره من الصحابة (هذا لو ثبت أنه رواه أصلا) لذلك فإنه حديث معلول بالغرابة نظراً لانفراد راو واحد بروايته وقد حذر أئمة الحديث من الغرائب التي لا تروى إلا من طريق راو واحد فقط حتى ولو كان صحابياً (مع أن الصحابة كلهم عدول) لأن الصحابي بشر غير معصوم عن الخطأ، يمكن أن يخطئ في الحفظ والضبط لذا فلا يحتج بما ينفرد بروايته صحابي واحد فقط حتى ولو كان أبا هريرة رضي الله عنه.

مع أن هذا الحديث لا يثبت أن أبا هريرة رواه أو نطق به أصلا لأن كل أسانيد هذا الحديث إليه لا تصح كما سأبين في الفقرات القليلة التالية إن شاء الله.

* الحديث رواه البيهقي في الدلائل وأحمد والبخاري في المتابعات والشواهد بإسنادين أحدهما برقم 3410 والآخر برقم 6649 وكلا الإسنادين من طريق عمْرُو بن يحيى بن سعيد عن جده وكلا الراويين لم يوثقهما أحد من أئمة الحديث المعتبر توثيقهم.

فعمرو بن يحيى هذا قد أدرجه الإمام العبقري الجهبذ، ابن عدي الجرجاني، مع الضعفاء في كتابه الكامل في الضعفاء ج5 ص122 ثم تكلم عن انفراده برواية بعض المرويات التي لم يروها أحد غيره رغم قلة روايته للحديث! فقال "ولا أعلم يرويه غيره وليس له من الحديث إلا القليل!".

أما جده سعيد الأموي التابعي وهو سعيد بن عمرو أو ابن العاص، ابن الصحابي سعيد بن العاص، فهو تابعي مجهول الحال أي مجهول الضبط والحفظ.

* كما رواه البيهقي في الدلائل والمحاسبي في المكاسب من طريق أبي التياح وهو مجهول.

* ورواه نعيم بن حماد في الفتن وكذلك الداني في الفتن والبخاري في التاريخ الكبير معلقاً وابن راهويه والطيالسي وأحمد والحاكم، كلهم رووه من طريق سماك بن حرب.

وسماك بن حرب هذا لم يوثق وإنما اختلف فيه فقيل صدوق بينما ضعّفه أئمة في الحديث كشعبة وابن المبارك وابن خراش. والجرح مقدم على التعديل كما هو معروف في علم الحديث.

قال الذهبي في كتاب (ذكر من تكلم فيه ج1 ص95):

149 سماك بن حرب ... كان شعبة يضعفه وقال ابن المبارك ضعيف الحديث وقال ابن خراش في حديثه لين.


ورواه ابن حبان والطبراني في الصغير من طريق الأعمش عن أبي صالح.

وهذا الإسناد ضعيف جداً أيضاً لأن الأعمش مدلس مشهور جداً بالتدليس فلا تقبل عنعنته.

* ورواه الداني في الفتن من طريق انفرد به لوحده ورواته لم يوثق عدد منهم. بل وأحد الرواة قارئ متقن للقراءة لكنه مختلف فيه. وقد ضعف روايته بعض علماء السلف. والجرح مقدم على التعديل. فهو ضعيف الرواية لأن له أوهاماً كما جاء في تهذيب التهذيب. وهو عاصم بن بهدلة وقد تكلم عن سوء حفظه للروايات، ابنُ علية وعبد الرحمن بن مهدي أيضاً رحمهما الله.

* ورواه ابن عدي الجرجاني في الكامل برقم 395 من طريق الحكم بن ظهير مبينا ضعفه الشديد بل وأنه منكر الحديث ساقط متروك كذاب.


* أود أن أذكر مرة أخرى بأن مدار كل أسانيد هذا الحديث الضعيفة هذه على راو واحد فقط هو أبو هريرة رضي الله عنه إذ لم يروه غيره من الصحابة (هذا لو ثبت عنه أصلا) لذلك فإنه حديث معلول أيضاً بالغرابة نظراً لانفراد راو واحد بروايته وقد حذر أئمة الحديث من الغرائب التي لا تروى إلا من طريق راو واحد فقط حتى ولو كان صحابياً (مع أن الصحابة كلهم عدول) لأن الصحابي بشر يمكن أن يخطئ في الحفظ والضبط لذا فلا يحتج بما ينفرد بروايته صحابي واحد فقط حتى ولو كان أبا هريرة رضي الله عنه. مع أن هذا الحديث لا يثبت أصلاً أن أبا هريرة رواه أو نطق به.

* ثم لو افترضنا جدلاً مجرد افتراض أن هذا الحديث مقبول (وهذا مستحيل لأن أمة محمد لا تهلك) فهو فيما يظهر يتكلم عن فساد ينتشر بسبب بعض حكام بني أمية وبني العباس كما يظهر من رواية البخاري التالي نصها:

"هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش" فقال مروان (لعنة الله عليهم غلمة) فقال أبو هريرة (لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت) قال عمرو بن يحيى (فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم قلنا أنت أعلم).
قلت: لو افترضنا أن الرواية صحت فكلمة (عسى) هنا ليست للتمني وإنما هي للخوف أن يكونوا منهم. وهي تماثل في وقتنا الحاضر عبارة [عساهم ليسوا المقصودين].

مفاجأة

فيما يلي مفاجأة جميلة لم أعلم بها إلا بعد أن أتممت دراستي لهذا الحديث وبحثي هذا:
المفاجأة الجميلة هي أن أحمد بن حنبل رحمه الله قد أمر بشطب هذا الحديث حسبما ورد عنه في المصدر التالي:

قال ابن الجوزي رحمه الله:

 1941 / 2392 - وفي الحديث الخامس والعشرين بعد المائتين "هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش". الأغيلمة جمع غلام. وقد بينا معنى الغلام في مسند ابن عباس. وقوله: "لو أن الناس اعتزلوهم" قد أمر أحمد بن حنبل بترك هذا الحديث، فقال الخلال: قال عبد الله: قال أبي في مرضه: اضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث. [أي قم بشطبه]. ... قلت: فهذا دليل على أن حديث أبي هريرة لم يثبت عند أحمد وإن كان قد أخرج في (الصحيحين [أو أحدهما]) فيحمل على أنه وهم من الرواة). إنتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله.

المصدر: (كشف المشكل من حديث الصحيحين جزء 3 صفحة 471، اسم المؤلف:  أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي ، دار النشر : دار الوطن - الرياض - 1418هـ - 1997م. ، تحقيق : علي حسين البواب).


* عموماً، نجد أن كثيراً من الروايات الضعيفة والموضوعة ترسم للأمة وآخر الزمان مستقبلاً كئيباً مخيفاً متشائماً بينما نجد أن الأحاديث الصحيحة بل والآيات القرآنية أيضاً تدعو للتفاؤل بالخير وتبشر الأمة الإسلامية بالتمكين في الأرض وبمستقبل مشرق زاهر وفيما يلي بعض تلك الآيات:

* ' ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون ' . ' ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ' . ' وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير ' .

فتفاءلوا بالحاضر والمستقبل خيراً يا أمة الإسلام ولا تتشاءموا مهما كانت الأحداث أبدا.

خرّج الحديث ودرسه وكتب هذا البحث وهذه الدراسة المحدّث أحمد آل الشيخ أغدق الله عليه من خيرات الدارين وكفاه كل شر.

تعريف الحديث (الغريب) في مصطلح الحديث وتحذير أئمة السلف الشديد منه



أولاً: تعريف الحديث الغريب في مصطلح الحديث:


الحديث الفرد والغريب في اصطلاح المحدثين هو الحديث الذي يكون مداره على راو واحد. وبعبارة أخرى هو ما رواه أحد الرواة منفرداً بروايته ولم يروه معه أحد في إحدى طبقات السند على الأقل.

ثانياً: تحذير أئمة الحديث من الأحاديث الغرائب:

في القرن الرابع الهجري قال الإمام العبقري الجهبذ المحدّث إبن عدي الجرجاني رحمه الله:

الباب السادس والعشرون 

طلب غريب الحديث من علامة الكذب، والحراج (أي التحرج والإحتياط) في الكتابة من علامة الصدق. حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض الفريابي، حدثني بشر بن الوليد قال : سمعت أبا يوسف يقول : من طلب الدين بالكلام ، تزندق ، [ومن طلب غريب الحديث ، كذب] ، ومن طلب المال بالكيمياء ، أفلس . حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، إلا أن المعنى واحد . وهذه الحكاية بعينها بألفاظ غير ما ذكره الفريابي نحوه . حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى ، أخبرنا بشر بن الوليد ، قال : سمعت أبا يوسف يقول : فذكر هذه الحكاية بعينها ، بألفاظ غير ما ذكره الفريابي ، إلا أن المعنى واحد . حدثنا عبد الوهاب بن أبي عصمة العكبري ، أخبرنا أحمد بن أبي يحيى ، قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل غير مرة : [لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء] . سمعت الحسين بن أبي معشر ، يقول : سمعت محمد بن عثمان بن كرامة يقول : سمعت أبا نعيم يقول : [إذا كان الكتاب مسجوحا كان من علامة الصدق] . سمعت أحمد بن محمد بن سعيد يقول : سمعت عبد الله بن أسامة الكلبي يقول : قال أبو نعيم : [يدلك على صحة الكتاب وجودة السماع ، كثرة الحراج فيه] (أي كثرة الاحتياط فيه).

المصدر: (الكامل في ضعفاء الرجال جزء 1 صفحة 39 ، اسم المؤلف:  عبدالله بن عدي بن عبدالله بن محمد أبو أحمد الجرجاني ، دار النشر : دار الفكر - بيروت - 1409 - 1988 ، الطبعة : الثالثة ، تحقيق : يحيى مختار غزاوي). ونفس الصفحة رقمها 111 في طبعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان الطبعة الأولى 1418 هـ 1997م

وقال العلامة الخطيب البغدادي المتوفى في القرن الخامس الهجري رحمه الله:

استحباب رواية المشاهير [والصدوف عن الغرائب والمناكير]
1291 أنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي نا يوسف بن أحمد بن يوسف الصيدلاني بمكة نا محمد بن عمرو بن موسى العقيلي نا محمد بن عمرو بن خالد نا أبي قال سمعت زهيرا يقول لعيسى بن يونس [ينبغي للرجل أن يدع رواية غريب الحديث فإني أعرف رجلا كان يصلي في يومه مائة ركعة ما أفسده عند الناس الا رواية غريب الحديث] فظنناه يعني معلى بن هلال.

1292 أنا الحسن بن محمد بن علي البلخي أنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ ببخارى قال سمعت أحمد بن سهل بن حمدويه يقول سمعت سهل بن المتوكل يقول سمعت محمد بن عمر التيمي يسكن البصرة قال سمعت مالك بن أنس يقول [شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس].

المصدر: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع جزء 2 صفحة 100 ، اسم المؤلف:  أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ، دار النشر : مكتبة المعارف - الرياض - 1403 ، تحقيق : د. محمود الطحان).

أمثلة:

قال ابن حبان عن حديث "ثلاث ساعات"، (ذِكرُ الخبر المُدحضِ قولَ من زعم أن هذا الخبر تفرد به أبو هريرة).

لو لم يكن تفرد الصحابي أو غيره علة قادحة لما تجشم ابن حبان عناء البحث عن صحابي آخر يروي مع أبي هريرة حديث 3 ساعات. هذا كله رغم أن ابن حبان معروف أصلاً بالتساهل الشديد في التصحيح. فإذا كان هذا فعل المتساهل فكيف بغيره؟!.

ولاحظوا أنه حين رد على من زعموا انفراد أبي هريرة  لم يقل بأن انفراد الصحابي لا بأس به. لا لم يقل ذلك. ولم يقل بأن وجه تعليلهم خطأ. بل ذهب يبحث عن صحابي آخر روى الحديث مع أبي هريرة لكي يثبت بأن أبا هريرة لم ينفرد برواية الحديث. ثم ساقه الحديث من رواية صحابي آخر. ولو لم يكن انفراد الصحابي علة قادحة لاكتفى بالرد عليهم بذلك ولما تجشم عناء البحث والتقصي. 



كتب هذا المقال: المحدث أحمد آل الشيخ