الصحيح في المذاهب الأربعة هو تحريم كشف الوجه والعينين والكفين
إتفقت الأقوال الراجحة المعضودة بالأدلة القطعية في المذاهب الأربعة على تحريم كشف الوجه والكفين والعينين. وفي الحقيقة أن الصحابة لم يختلفوا حول ذلك أيضاً. وإنما استخدمت بعض عباراتهم، إن صحت أصلاً، في غير سياقها حيث يتحدث بعضهم عن عورة المرأة في الصلاة أو أمام محارمها فيلصق بعض الناس كلامهم بشيء لم يقصدوه. ولهذا كله كانت تغطية الوجه والعينين والكفين بجلابيب كبيرة فضفاضة، هي السائدة في كل أنحاء العالم الإسلامي قبل الاستعمار حتى في قلب أوروبا كالبوسنة والهرسك كما تشهد بذلك بعض الصور القديمة هناك. ولم يظهر كشف الوجه والعينين والكفين إلا بعد الاستعمار. والعبرة عموماً بالأدلة المحكمة الثابتة.
قبل أن أذكر الأدلة القطعية أذكركم بأن (الجلباب)
غير (الحجاب) وكلاهما يختلف عن (الخمار) وفيما يلي بيان شيء من ذلك.
الأدلة القطعية الثلاثة
أولاً: أزواج وبنات ونساء طاهرات
1. الدليل الأول: قال الله "يآ أيها النبي قل لأزواجك وبناتك
(((ونساء المؤمنين))) يدنين (((عليهن))) من جلابيبهن". ولم يستثن منهن شيئاً إذ أنه لم يقل مثلاً (عليهن إلا وجوههن أو أعينهن وأيديهن). قال "عليهن" ولم يستثن منهن شيئاً لا وجها ولا كفاً ولا عينين.
واتفق أئمة التفسير على أن الجلباب هو الملحفة التي تغطي سائر الجسد من أعلى الرأس إلى أخمص
القدمين بل وهكذا جاء في معاجم كمعجم مختار الصحاح. والجلباب في الحقيقة أكبر من عباءة الرأس. ومما يدل على ذلك أنه قال "يدنين عليهن" ثم قال "(((من)))جلابيبهن" وحرف ((من)) هنا للتبعيض مما يعني أنه أنها تدني عليها (بعض) جلباباها وهذا يدل على أن الجلباب أكبر منها.
وأكرر: قال "عليهن" ولم يستثن منهن شيئاً،
لا وجهاً ولا يداً ولا عيناً ولا أصابعاً ولا غير ذلك. لم يقل (يدنين عليهن إلا أيديهن
أو أعينهن أو غير ذلك). وهذا دليل شرعي عظيم محكم قطعي الدلالة والثبوت على وجوب ستر
سائر الجسد. والتي تلبس عباءة الكتف قد أدنت شِبه جلباب على بعضها، لا عليها، والله
قد قال "عليهن" ولم يقل على بعض أجسادهن. إذ أنه لم يستثن الرأس من إدناء
الجلباب "عليهن". فلا تعصين الله بعباءة كتف أو مخصرة أو بكشف أصابعك أو عينك
"ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا".عياذا بالله. كيف يفكر أحد في أي معصية مجرد تفكير بعد هذه الآية؟! واحذري كذلك من
أن تكوني عوناً للشيطان على الرجال وخادمة لإبليس بفتنة الرجال بعينك أو كفك أو حسن
عباءتك. ألم تعلمي شعراً يقول (ما هقيت ان البراقع تفتنني)؟
النقاب ثقب صغير جدا
النقاب لغة وشرعاً ثقب صغير جداً عند إحدى العينين
ترى المرأة من خلاله طريقها ولا يستطيع أحد من الكفار والفساق ونحوهم رؤية عينها من
خلاله. قال الله عن يأجوج ومأجوج "فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له (((نقبا)))"
وهذا يدل على أن النقب أصغر ما يكون من الثقوب. أما ما تلبسه بعض النساء هذه الأيام
فلا يسمى نقاباً لغة ولا شرعا. بل يسمى شقاً. ويحتمل أن يصدق على بعضه وصف بوابة : ). ومع صغر النقاب إلا أنه شدد على المحرمة أكثر من غير المحرمة فمنعت حتى من الانتقاب أي حتى من ثقب عند عينها ولعل ذلك بسبب وجوب مرافقة محرم لها يرى لها طريقها ويعينها وبسبب كثرة الرجال في الحج والعمرة بينما النقاب رغم صغره لا يعين المرأة كثيراً على غض بصرها عن هؤلاء الرجال الكثيرين فمنعت منه أثناء الإحرام. لذلك فإن كشف الوجه أمام الرجال أثناء الإحرام ليس محرماً فحسب بل هو من محظورات الإحرام أيضاً.
من ورآء جدار
2. الدليل الثاني: الدليل السابق يكفي
فكيف إذا تذكرنا معه أدلة أخرى قطعية مثل أمر الله للمؤمنين حين حديثهم مع أمهاتهم،
أمهات المؤمنين حيث قال "فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن".
لا يدخل عليها بيتها ولكنه يحادثها ويسألها من خلف الباب أو الجدار أو الستار أو أي
حجاب آخر يحجب الرؤية بينها وبينها. هذا وهن أمهات المؤمنين فما بالنا بمن هن دونهن
في الفضل والمقام. غيرهن من باب أولى. وهذا يسمى القياس بدلالة الأولى وهو أقوى أنواع
القياس على الإطلاق باتفاق المذاهب الأربعة. حين ترين فتاة ترفع صوت مذياعها في البيت
كثيراً حتى ينزعج والداها العجوزان وتقولين لها "فلا تقل لهما أف" فتقول
لك أنا لم أقل لهما (أف)، ألن تقولي حينها بأن تصرفها هذا من باب أولى لأنه أشد عليهما
من كلمة (أف)؟
ما معنى تبرج الجاهلية الأولى؟
3. الدليل الثالث: كشف العينين والقدمين والكفين من التبرج المحرم
لأنه إظهار لمحاسن. قال الله "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى". جاء في المعاجم
اللغوية كمختار الصحاح 1/19 والنهاية 1/113 وغيرهما أن "التبرج إظهار المرأة زينتها
ومحاسنها للرجال". والآية لم تنه عن التبرج فحسب. بل نهت عن أقل درجاته وهو تبرج
الجاهلية الأولى.
فالعينان مثلاً من محاسن المرأة وكذلك كفاها. فحين يبدأ أول الجهل
بالدين يدب بالتدريج في أي مجتمع من المجتمعات البشرية تبدأ بعض النساء الجاهلات بالتبرج
تدريجياً فتبدأ بإظهار بعض أطرافها كالأصابع وشيئاً من العينين. ثم حين تزداد الجاهلية
وتنتقل إلى مرحلتها الثانية يزداد التبرج وهكذا حتى تبلغ الجاهلية درجة الله أعلم بها.
لبس الخمار عند المحارم
وأضيف: أن الأدلة السابقة قطيعة بوجوب تغطية الوجه
والكفين والعينين وسائر الجسد بلا استثناء. أما إضافة بعض طلبة العلم الآية 31 من سورة
النور "إلا ما ظهر منها" لتلك الأدلة فهو في غير محله لأنها آية خاصة بلباس المؤمنة وحشمتها أمام النساء
ومحارمها ونحوهم ممن ذكروا في الآية إذ لم يذكر فيها إلا هؤلاء فتضرب بخمارها (طرحتها
السميكة) عندهم وتغطي ساقيها ولا تضرب برجليها ليعلم ما تخفي من زينتها.
وعليها أن
تلبس عند هؤلاء ثيابا واسعة فضفضاة لا تحدد ولا حتى بعض حدود عورتها عندهم لأن من شروط الستر
أن لا يصف الساتر أو يحدد أو يشف بعض ما وراءه أو تحته. فالتي تلبس ضيقا نوعاً ما عند
النساء ومحارمها تعتبر من الكاسيات العاريات عياذاً بالله. فاتقين الله معشر المؤمنات
حتى في لبساكن أمام نسائكن ومحارمكن. ملحوظة: قال الله في الآية: "زينتهن".
الزينة غير العورة. الزينة مثل الحلي ونقوش الثوب ونحوها.وفي الرابط التالي مزيد تفصيل.
حتى الاختلاط
أكثر الآيات السابقة وخاصة آية "مِن ورآء حجاب". من الأدلة المضادة
بقوة للاختلاط في العمل والدراسة ونحوهما وبهذا يتبين أن الأصل في الاختلاط التحريم
فتأملوا.
خاتمة
حين يكون في مسألة ما دليلٌ محكم
قطعي، لا يكون الخلافُ سائغاً ولا مقبولاً ولا وزن له أبداً. إذ لا اجتهاد في موضع
النص وخاصة إذا كان نصاً محكماً قطعياً. ومن قدمت رواية ما، ظاهرها الصحة أو كلام شخص
ما، وطاعته واتباعه على كلام الله المحكم القطعي وطاعته واتباعه فلا تلومن يوم القيامة
إلا نفسها. قال الله عن الجنة: "لهم ما بشاؤون فيها ولدينا مزيد". وقال جل
وعلا "ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا". عياذاً بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق